كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة} [سبأ]، وقرأ حفص وحمزة والكسائي قال بصيغة الماضي بالإخبار عن الرسول والباقون قل بصيغة الأمر، ثم إنه تعالى بيّن أنّ المشركين اقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم وفيما يقوله بقوله تعالى: {بل قالوا} أي: قال بعضهم هذا الذي قال لكم: {أضغاث أحلام} أي: أخلاط أحلام رآها في النوم، وقال بعضهم: {بل افتراه} أي: اختلقه من عند نفسه، ونسبه إلى الله تعالى، وقال بعضهم: {بل هو} أي: النبي صلى الله عليه وسلم {شاعر} فما جاءكم به شعر، والشاعر يخيل ما لا حقيقة له لغيره، أو أنهم كلهم أضربوا عن قولهم: هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام، ثم إلى أنه كلام مفترى من عنده، ثم إلى أنه قول شاعر، وهكذا المبطل متحير رجاع غير ثابت على قول واحد؛ قال الزمخشري: ويجوز أن يكون تنزيلًا من الله تعالى لأقوالهم في درج الفساد، وأن قولهم الثاني أفسد من الأول، والثالث أفسد من الثاني، وكذا الرابع أفسد من الثالث، ثم إنهم لما قدحوا في أعظم المعجزات طلبوا آية غيره، فقالوا: {فليأتنا} دليلًا على رسالته {بآية كما} أي: مثل ما {أرسل الأولون} بالآيات كتسبيح الجبال وتسخير الريح وتفجير الماء، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص وصحة التشبيه من حيث إن الإرسال يتضمن الإتيان بالآية قال الله تعالى مجيبًا لهم: {ما آمنت قبلهم} أي: قبل مشركي مكة {من قرية} أي: من أهل قرية أتتهم الآيات {أهلَكِناها} باقتراح الآيات لما جاءتهم {أفهم يؤمنون} أي: لو جئتهم بها وهم أغنى منهم، وفيه دليل على أن عدم الإتيان بالمقترح للإبقاء عليهم إذ لو أتى به لم يؤمنوا، واستوجبوا عذاب الاستئصال كمن قبلهم، ولما بيّن تعالى بطلان ما اقترحوا به في رسوله صلى الله عليه وسلم بكونه بشرًّا قال تعالى عاطفًا على آمنت مجيبًا عن قولهم: {هل هذا إلا بشر مثلكم}.
{وما أرسلنا قبلك} أي: في جميع الزمان الذي تقدّم زمانك في جميع طوائف البشر {إلا رجالًا} أي: لم نرسل الملائكة إلى الأولين إنما أرسلنا رجالًا {نوحي إليهم} مثلك ثم إنه تعالى أمر المشركين أن يسألوا أهل الكتاب بقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر} وإنما أحالهم على هؤلاء لأنهم كانوا لا ينكرون أن الرسل كانوا بشرًّا، وإن أنكروا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: المراد بالذكر القرآن، أي: فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن، وقرأ ابن كثير والكسائي بفتح السين، ولا همزة بعدها، وكذا يفعل حمزة في الوقف، والباقون بسكون السين وهمزة مفتوحة بعدها، ثم نبّه تعالى على أنهم غير محتاجين فيه إلى السؤال بما قد كان بلغهم على الإجمال من أحوال موسى وعيسى وإبراهيم وإسماعيل وغيرهم عليهم السلام بقوله تعالى معبرًا بأداة الشك محركًا لهم على المعالي {إن كنتم} أي: بجبلاتكم {لا تعلمون} أي: لا أهلية لكم في اقتناص علم بل كنتم أهل تقليد محض، وتبع صرف، ولما بيّن تعالى أنه صلى الله عليه وسلم على سنة من مضى من الرسل في كونه رجلًا بيّن أنه على سنتهم في جميع الأوصاف التي حكم بها على البشر في العيش والموت، فنبه على الأول بقوله تعالى: {وما جعلناهم} أي: الذين اخترنا بعثتهم إلى الناس ليأمروهم بأوامرنا {جسدًا} أي: ذوي جسد ولحم ودم متصفين بأنهم {لا يأكلون الطعام} بل جعلناهم أجسادًا يأكلون ويشربون، وليس ذلك بمانع من إرسالهم.
فائدة: قال ابن فارس في المجمل وفي كتاب الخليل: إن الجسد لا يقال لغير الإنسان، وتوحيد الجسد لإرادة الجنس كأنه قيل: ذوي ضرب من الأجساد، أو على حذف المضاف، أي: ذوي جسد كما مر، أو تأويل الضمير لكل واحد، وهو جسم ذو لون، قال البيضاوي: ولذلك أي: ولكون الجسد جسمًا ذا اللون لا يطلق على الماء والهواء، وهو في الماء مبني على أنه لا لون له، وإنما يتلون بلون ظرفه أو مقاله؛ لأنه جسم شفاف؛ لَكِن قال الإمام الرازي: بل له لون ويرى، ومع ذلك لا يحجب عن رؤية ما وراءه، ثم نبه على الثاني بقوله تعالى: {وما كانوا خالدين} أي: بأجسادهم، بل ماتوا كما مات الناس قبلهم وبعدهم، وإنما امتازوا عن الناس بما يأتيهم عن الله تعالى ورسولكم صلى الله عليه وسلم ليس بخالد، فتربصوا كما أشار إليه ختم طه، فإنه متربص بكم، وأنتم عاصون الملك الذي اقترب حسابه لخلقه وهو مطيع له {ثم صدقناهم الوعد} أي: الذي وعدناهم بإهلاكهم، وهذا مثل قوله تعالى: {واختار موسى قومه} [الأعراف].
في حذف الجار والأصل في الوعد، ومن قومه ومنه صدقوهم القتال، وصدقني سنّ بكره والأصل في هذا المثل أن إعرابيًا عرض بعيرًا للبيع، فقال له المشتري: ما سنه؟ قال: بكر، فاتفق أنه ند، فقال صاحبه هدع هدع، وهذه اللفظة مما يسكن بها صغار الإبل لا الكبار، فقال المشتري: صدقني سنّ بكره، وأعرض، فصار مثلًا.
تنبيه:
أشار تعالى بأداة التراخي إلى أنهم طال بلاؤهم بهم، وصبرهم عليهم، ثم أحل بهم سطوته، وأراهم عظمته {فأنجيناهم} أي: الرسل {ومن نشاء} وهم المؤمنون أو من في إبقائه حكمة كمن سيؤمن هو أو واحد من ذريته، ولذلك حميت به العرب من عذاب الاستئصال، {وأهلَكِنا المسرفين} أي: المشركين؛ لأن المشرك مسرف على نفسه.
{لقد أنزلنا إليكم} يا معشر قريش {كتابًا} أي: القرآن {فيه ذكركم} أي: شرفكم ووصيتكم كما قال تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك}، أو فيه مكارم الأخلاق التي كنتم تطلبون بها الثناء وحسن الذكر كحسن الجوار والوفاء بالعهد ودق الحديث وأداء الأمانة والسخاء وما أشبه ذلك، وقيل: فيه ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم، أو لأنه نزل بلغتكم، وقيل: فيه تذكرة لكم لتحذروا، فيكون الذكر بمعنى الوعد والوعيد {أفلا تعقلون} فتؤمنوا به، وفي ذلك حث على التدبر؛ لأن الخوف من لوازم العقل.
{وكم قصمنا} أي: أهلَكِنا {من قرية} أي: أهلها بغضب شديد؛ لأن القصم أفظع الكسر، وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم، وقوله تعالى: {كانت ظالمة} أي: كافرة صفة لأهلها وصفت بها لما أقيمت مقامها، ثم بيّن الغنى عنها بقوله تعالى: {وأنشأنا بعدها} أي: بعد إهلاك أهلها {قوما آخرين} مكانهم، ثم بيّن حالها عند إحلال البأس بها بقوله تعالى: {فلما أحسوا} أي: أدرك أهلها بحواسهم {بأسنا} أي: عذابنا {إذا هم منا} أي: القرية {يركضون} هاربين منها مسرعين راكضين دوابهم لما أدركتهم مقدّمة العذاب والركض ضربة الدابة بالرجل، ومنه اركض برجلك، أو مشبهين بهم من فرط إسراعهم بعد تجبرهم على الرسل، وقولهم لهم: لنخرجنكم من أرضنا، أو لتعودن في ملتنا، فناداهم لسان الحال تقريعًا وتشنيعًا لحالهم {لا تركضوا} أو المقال والقائل ملك أو من ثم من المؤمنين {وارجعوا} إلى قريتكم {إلى ما أترفتم} أي: تمتعتم {فيه} من التنعم والتلذذ والإتراف إبطار النعمة والترفه، ولما كان أعظم ما يؤسف عليه بعد العيش الناعم المسكن قال: {ومساكنكم} أي: التي كنتم تفتخرون بها على الضعفاء بما أوسعتم من فنائها، وعليتم من بنائها، وحسنتم من مشاهدها {لعلكم تسألون} وفي هذا تهكم بهم وتوبيخ أي: ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غدًا عما يجري عليكم، وينزل بأموالكم ومساكنكم، فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة، أو ارجعوا، واجلسوا كما كنتم في مجالسكم وترتبوا في مراتبكم حتى يسألكم عبيدكم وحشمكم ومن تملكون أمره، وينفذ فيه أمركم ونهيكم، فيقولوا لكم بم تأمرون وماذا ترسمون، أو شيئًا من دنياكم على العادة، أو تسألون في الإيمان كما كنتم تسألون، فتأبوا بما عندكم من الأنفة والحمية والعظمة، أو في المهمات كما تكون الرؤساء في مقاعدهم العلية، ومراتبهم السنية، فيجيبون سائلهم بما شاؤوا، ولما كان كأنه قيل: بم أجابوا هذا القائل؟ قيل:
{قالوا} حين لا نفع لقولهم عند نزول البأس {يا ويلنا} إشارة إلى أنه حل بهم؛ لأنه ينادي بيا القريب ترفقًا به كما يقول الشخص لمن يضربه: يا سيدي كأنه يستغيث به ليكف عنه، وذلك غباوة منهم، وعمى عن الذي أحله بهم؛ لأنهم كالبهائم لا ينظرون إلا السبب الأقرب، ثم عللوا حلوله بهم تأكيدًا لترفقهم بقولهم: {إنا كنا} جبلة وطبعًا {ظالمين} حيث كذبنا الرسل، وعصينا أمر ربنا، فاعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف لفوات محله، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه القرية حَضور بفتح الحاء وبالضاد المعجمة، وهي وسحول قريتان قريبتان من اليمن تنسب إليهما الثياب، وفي الحديث: «كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين سحوليين- وروي حضوريين- بعث الله لهم نبيًّا، فقتلوه، فسلط الله تعالى عليهم بختنصر كما سلطه الله على أهل بيت المقدس، فاستأصلهم» وروي «أنه لما أخذتهم السيوف نادى منادٍ من السماء: يا لثارات الأنبياء» وهي بفتح اللام، وبمثلثة وهمزة ساكنة أي: يا لأهل ثأراتهم أي: الطالبة بدمهم، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فندموا وقالوا ذلك.
{فما} أي: فتسبب عن إحلالنا بهم ذلك البأس أنه ما {زالت تلك} الدعوى البعيدة عن الخير والسلامة، وهي قولهم: يا ويلنا {دعواهم} يرددونها لا دعوى لهم غيرها؛ لأن الويل ملازم لهم غير منفك عنهم، وترفقهم له غير نافعهم {حتى جعلناهم حصيدًا} كالزرع المحصود بالمناجل بأن قتلوا بالسيف.
تنبيه:
حصيد على وزن فعيل بمعنى مفعول، ولذلك لم يجمع؛ لأنه يستوي فيه الجمع وغيره {خامدين} أي: ميتين كخمود النار إذا طفئت وصارت رمادًا فإن قيل: كيف ينصب جعل ثلاثة مفاعيل أجيب بأنَّ حكم الاثنين الأخيرين حكم الواحد؛ لأن معنى قولك: جعلته حلوًا حامضًا جعلته جامعًا للطعمين، وكذلك معنى جعلناهم جامعين لمماثلة الحصد والخمود أو خامدين صفة لحصيدًا أو حال من ضميره، ثم نبههم سبحانه وتعالى على النظر في خلق السموات وما بينهما ليعتبروا، فقال تعالى: {وما خلقنا السماء} على علوِّها وإحكامها {والأرض} على عظمها واتساعها {وما بينهما} مما دبرناه لتمام المنافع من أصناف البدائع وغرائب الصنائع {لاعبين} أي: عابثين كما تسوّي الجبابرة سقوفهم وفرشهم، وسائر زخارفهم للهو واللعب، وإنما خلقناها مشحونة بضروب البدائع تبصرة للنظار، وتذكيرًا لذوي الاعتبار، وتسبيبًا لما ينتظم به أمر العباد في المعاش والمعاد، ولما نفى عنه اللعب أتبعه دليله، فقال عز وجل: {لو أردنا} أي: بما لنا من العظمة {أن نتخذ لهوًا} أي: ما يتلهى به ويلعب، وقيل: هو الولد بلغة اليمن، وقيل: الزوجة والمراد الرد على النصارى {لاتخذناه من لدنا} أي: من عندنا مما يليق أن ينسب لحضرتنا من الحور العين والملائكة بما لنا تمام القدرة، وكمال العظمة {إن كنا فاعلين} ذلك لَكِنا لم نفعله؛ لأنه لا يليق بجنابنا، فلم نرده، وقوله تعالى: {بل نقذف} أي: نرمي {بالحق} أي: الإيمان {على الباطل} أي: الكفر إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لذاته عن اللعب بل شأننا أن نرمي بالحق الذي من جملة الجد على الباطل الذي من عداد اللهو {فيدمغه} أي: يذهبه، واستعار لدحض الباطل بالحق القذف والدمغ تصويرًا لإبطاله به، وإهداره ومحقه، فجعله كأنه جرم صلب كالصخرة، ووجه استعارة القذف والدمغ لما ذكر أن أصل استعمالهما في الأجسام، ثم استعير القذف لدحض الباطل بالحق والدمغ لإذهاب الباطل، فالمستعار منه حسيّ، والمستعار له عقليّ {فإذا هو} في الحال {زاهق} أي: ذاهب، والزهوق ذهاب الروح، وذكره لترشيح المجاز من إطلاق القذف على دحض الباطل، ثم عطف على ما أفادته إذا قوله تعالى: {ولكم} أي: وإذا لكم أيها المبطلون {الويل} أي: العذاب الشديد {مما تصفون} الله تعالى به بما تهوى أنفسكم كالزوجة والولد.
تنبيه:
ما إمّا مصدرية أو موصولة أو موصوفة، ولما حكى الله تعالى كلام الطاعنين في النبوات، وأجاب عنها بأن أغراضهم من تلك المطاعن التمرد، وعدم الانقياد بيّن بقوله تعالى: {وله من في السموات} أي: الأجرام العالية، وهي ما تحت العرش، وجمع السماء هنا لاقتضاء تفخيم الملك ذلك، ولما كانت عقولهم لا تدرك تعدّد الأرض وحدها، فقال: {والأرض} أي: له ذلك خلقًا وملكًا أنه منزه عن طاعتهم؛ لأنه هو المالك لجميع المحدثات والمخلوقات، وعبر بمن تغليبًا للعقلاء، وقوله تعالى: {ومن عنده} أي: وهم الملائكة بإجماع الأمة، ولأن الله تعالى وصفهم بأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وهذا لا يليق بالبشر، مبتدأ خبره {لا يستكبرون عن عبادته} بنوع كبر طلبًا ولا إيجادًا، وخصهم بالذكر لكرامتهم عليه تنزيلًا لهم منزلة المقرّبين عند الملك.
تنبيه:
هذه العندية للشرف والرتبة لا عندية المكان والجهة، فكأنه تعالى قال: الملائكة مع كمال شرفهم وعلو مراتبهم، ونهاية جلالتهم لا يستكبرون عن عبادته، فكيف يليق بالبشر الضعيف التمرد عن طاعته {و} مع ذلك أيضًا {لا يستحسرون} أي: لا يعيون، وإنما جيء بالاستحسار الذي هو أبلغ من الحسور تنبيهًا على أن عبادتهم من ثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ولا يستحسرون، ولا يطلبون أن ينقطعوا عنها، فأنتج ذلك قوله تعالى: {يسبحون} أي: ينزهون المستحق للتنزيه بأنواع التنزيه من الأقوال والأفعال {الليل والنهار} أي: جميع آنائهما دائمًا {لا يفترون} أي: عن ذلك وقتًا من الأوقات، فهو منهم كالنفس منا لا يشغلنا عنه شاغل، ولما كانوا عند هذا البيان جديرين بأن يبادروا إلى التوحيد، فلم يفعلوا كانوا حقيقين بعد الإعراض عنهم بالتوبيخ والتهكم والتعنيف، فقال تعالى: {أم اتخذوا} أي: بل اتخذوا، فأم بمعنى بل للانتقال والهمزة لإنكار اتخاذهم {آلهة من الأرض} ومعنى نسبتها إلى الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض؛ لأن الآلهة على ضربين؛ أرضية وسماوية، ومن ذلك حديث الأمة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين ربك؟ فأشارت إلى السماء، فقال: إنها مؤمنة»؛ لأنه فهم منها أن مرادها نفي الآلهة الأرضية التي هي الأصنام لا إثبات أن السماء مكان الله تعالى، ويجوز أن يراد آلهة من جنس الأرض؛ لأنها إما أن تنحت من بعض الحجارة أو تعمل من بعض جواهر الأرض {هم ينشرون} أي: يحيون الموتى لا يقدرون على ذلك، وهم وإن لم يصرّحوا بذلك لزم من ادعائهم لها آلهة أنهم يقدرون على ذلك، فإنّ من لوازمها الاقتدار على جميع الممكنات، فالمراد به تجهيلهم والتهكم بهم، وللمبالغة في ذلك زيد الضمير الموهم لاختصاص الانتشار بهم، ثم إنه سبحانه وتعالى أقام البرهان القطعي على نفي إله غيره ببرهان التمانع، وهو أشدّ برهان لأهل الكلام، فقال: {لو كان فيهما} أي: السموات والأرض أي: في تدبيرهما {آلهة إلا الله} أي: غير الله تعالى: {لفسدتا} أي: لخرجتا عن نظامهما المشاهد لوجود التمانع بينهم على وفق العادة عند تعدّد الحاكم، وعن عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو بن سعيد الأشدق كان والله أعز على من دم ناظري، ولَكِن لا يجتمع فحلان في شول، وهذا ظاهر.